الأفكار العامة:
– الأمن البحري يشغل الاتحاد الإفريقي، لكنّ التنفيذ يقع على عاتق الدول الأعضاء.
– مع قرب نهاية “عقد البحار”، يجب التزام القادة بخطة فعَّالة لمواجهة التهديدات البحرية المتجددة.
– إستراتيجية AIM 2050، المعتمدة منذ عقد، تحتاج إلى مراجعة وتحديث عاجل لتناسب التحديات الراهنة.
– رغم أولوية ميثاق لومي، فإن ميثاق النقل البحري لعام 2010م لم يُفعَّل إلا بعد تصديق 15 دولة في 2025م.
– تشتيت إدارة الملفات البحرية بين هيئات الاتحاد يُعيق التنسيق.
– غياب التمويل المستدام يُهدّد فعالية معظم المبادرات.
بقلم: تيموثي والكر و دينيس ريفا
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
على الرغم من أن القضايا البحرية تُعدّ من أولويات الاتحاد الإفريقي؛ إلا أن التقدُّم في هذا المجال لا يزال دون الطموحات. ومع اقتراب نهاية “عقد البحار والمحيطات الإفريقية”، تبرز الحاجة إلى التزام سياسي فِعْلي من الدول الأعضاء لتفعيل إستراتيجية مُوحَّدة تُواجه التحديات المتزايدة للأمن البحري.
في يونيو الماضي، أكَّد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” على الدور المركزي لإفريقيا في الجهود العالمية للمحيطات، مشيرًا إلى الإستراتيجية الإفريقية المتكاملة للبحار والمحيطات لعام 2050م
(إستراتيجيةAIM 2050 ) كنموذج للتعاون الإقليمي.
وعلى الرغم من أن إستراتيجية AIM 2050، التي أُشيد بها دوليًّا، وُضِعَت منذ أكثر من عقد؛ إلا أنها بحاجة ماسَّة إلى مراجعة وتحديث لمواكبة المخاطر المستجدة، وتعزيز تنسيق السياسات البحرية على المستوى القاري.
شهد الزخم حول القضايا البحرية في إفريقيا تقلُّبات على مدى العقد الماضي. بعد إطلاق إستراتيجية AIM 2050 في عام 2014م، سارع الاتحاد الإفريقي إلى إعطاء الأولوية للميثاق الإفريقي لعام 2016م بشأن الأمن والسلامة البحريين والتنمية في إفريقيا (ميثاق لومي)، حتى الآن، لم تُصدِّق عليها سوى ثلاث دول.
لا يزال ميثاق لومي يُعدّ أولوية بالنسبة للاتحاد الإفريقي، على الرغم من أن ميثاقًا آخر أقدم، وهو الميثاق المُنقَّح للنقل البحري الإفريقي، الذي اعتُمِدَ في عام 2010م، ودخل أخيرًا حيّز النفاذ في عام 2025م بعد أن صدَّقت عليه 15 دولة من الدول الأعضاء.
وعلى الرغم من خمس سنوات من الاهتمام المتواصل مِن قِبَل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي؛ لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي على الأمن البحري من خلال المراجعات الدورية للسياسات وخطوط الميزانية الثابتة والعمليات المستمرة التي كان من الممكن أن تقوم بها وحدة مخصصة لهذا الغرض.
ويجب أن تتكيَّف إستراتيجية AIM 2050، التي تم اعتمادها منذ أكثر من 10 سنوات، مع التهديدات الجديدة
استنادًا إلى بيان مجلس السلم والأمن الصادر في 23 أبريل، وإلى التجارب السابقة للاتحاد الإفريقي، وتبرز ثلاث أولويات يجب أن تُركّز عليها المنظمة ودولها الأعضاء:
أولًا: ضرورة إنشاء مجموعة خبراء أفارقة مختصة بالأمن البحري، بهدف تعزيز المعرفة وتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء. التجارب السابقة أثبتت فعالية المنصات غير الرسمية التي يُديرها خبراء، كما هو الحال مع فريق الأمن السيبراني التابع للاتحاد الإفريقي، الذي أُنشئ عام 2019م، ونجح رغم محدودية حجمه في تقديم دعم فني وتجاوز تجزئة التنفيذ.
وقد دعت أجهزة الاتحاد الإفريقي مرارًا إلى تشكيل هيئة بحرية متخصصة، ففي عام 2020م طُلب من المفوضية إنشاء منتدى استشاري لمتابعة التقدم، وأُعيد التأكيد على هذا المطلب عام 2022م مِن قِبَل لجنة المحيط الهادئ، التي شدَّدت على أهمية تأسيس هيئة تقنية تُقدّم الدعم الفني، وتُعزّز القدرات، وتُنسِّق الجهود بين مختلف الوزارات والجهات المعنية.
ورغم أهمية القضايا البحرية، فإن تشتتها بين إدارات متعددة داخل مفوضية الاتحاد الإفريقي يعوق التنسيق الفعال. فعلى سبيل المثال، تتولى وزارة الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق قيادة ملفات الاستخدام المستدام لموارد المحيطات، بينما تُسند مسؤولية الأمن البحري، المرتبط عضويًّا بهذا الاستخدام، إلى إدارة الشؤون السياسية والسلام والأمن (PAPS) ومكتب المستشار القانوني.
وكما هو الحال في العديد من مبادرات الاتحاد؛ يُشكِّل ضعف التمويل تحديًا مستمرًّا. ولضمان قابلية التنفيذ، من المرجَّح ألَّا يترتب على إنشاء فريق الخبراء في الأمن البحري عبء مالي مباشر على المفوضية. غير أن غياب موارد مالية مخصصة قد يُضْعِف أداء الفريق وفعاليته على المدى البعيد.
تقع القضايا البحرية ضمن اختصاص العديد من إدارات الاتحاد الإفريقي، مما يُعِيق العمل والتنسيق.
ويكمن الحل العملي في حثّ الدول الأعضاء على إعارة خبراء لفريق الأمن البحري، بما يُعزّز الالتزام والملكية الوطنية. ويمكن لمفوضية الاتحاد الإفريقي ضمان الجودة عبر التحقق من استيفاء الخبراء للمعايير الفنية المطلوبة.
الأولوية الثانية تتمثل في تنظيم تدريب على القيادة البحرية “أماني إفريقيا3″، بإشراف برنامج “SPSP”، وستكون أول مناورة بحرية تحت مظلة القوة الاحتياطية الإفريقية. بدلاً من تنفيذ عمليات بحرية ميدانية، يمكن اعتماد محاكاة لسيناريوهات مثل القرصنة أو الصيد غير المشروع أو الإخلاء البحري، ما يُتيح اختبار آليات القيادة والسيطرة. ومن مقدور فريق الخبراء دعم تطوير السيناريوهات وتقييم الأداء.
ويمكن ربط هذه التدريبات بمساعي تفعيل قوة المهام البحرية المشتركة، التي أُنشئت في خليج غينيا عام 2023م، لتوفير استجابة سريعة ومنسَّقة لمخاطر القرصنة والسطو المسلح. وستتولى هذه القوة تنسيق الدوريات والعمليات المشتركة وتبادل المعلومات، على غرار النماذج المعتمدة في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
ومن المهم أن تُشكِّل هذه القوة منصة للتعاون الإقليمي وتبادل الخبرات، بما يُسهم في نقل التجارب إلى بعثات الاتحاد الإفريقي الأخرى. وفي هذا السياق، جدّد مجلس السلم والأمن في 23 أبريل دعوته إلى إنشاء وحدات مماثلة في مناطق إفريقية أخرى.
وفي خطوة مكملة، يُوصَى بتأسيس منتدى لرؤساء القوات البحرية وحرس السواحل في إفريقيا. وقد دعا مجلس السلم والأمن مفوضية الاتحاد إلى دعم عقد الاجتماع الأول لهؤلاء القادة، بهدف تعزيز التنسيق الإستراتيجي في المجال البحري القاري.
ويتعين على الدول الأعضاء عقد لجنة رؤساء مشاة البحرية وحرس السواحل الأفارقة. وتهدف هذه اللجنة إلى أن تكون منصة رسمية ودبلوماسية ودائمة للتنسيق بين كبار المسؤولين. ستقوم كل دولة بتعيين ضابط اتصال من أجل الحد من الروتين الذي غالبًا ما يُعيق التعاون وبناء الثقة وتحسين تبادل المعلومات والموارد.
وسوف تستفيد اللجنة من المشاركة في مبادرات أخرى. ففي عام 2024م، على سبيل المثال، نظَّمت جنوب إفريقيا ندوة القوة البحرية من أجل إفريقيا. وهو منتدى قاري رئيسي لقادة البحار الأفارقة لمناقشة الأمن البحري والتعاون الإقليمي والإستراتيجيات مثل إستراتيجيةAIM 2050 ، ويمكن للجنة البحرية وخفر السواحل أن تجتمع خلال هذا الحدث، الذي يهدف إلى تعزيز الحوار وبناء التوافق.
يمكن للجنة أن تقترح إصلاحات ذات أولوية، بالاستناد إلى رؤى نادرًا ما تُؤخَذ بعين الاعتبار مِن قِبَل القوات البحرية وخفر السواحل الإفريقية. كما يُمكنها، بالتعاون مع مجموعة خبراء الأمن البحري، إعداد تقرير نصف سنوي يُرفَع إلى لجنة المحيط الهادئ، يترجم المعطيات الفنية والعملياتية إلى توصيات إستراتيجية موجّهة لصنّاع القرار، بما يساهم في الحفاظ على وتيرة التقدم.