عندما يأخذ التغيير طابع الثورة الصامتة.. / د. شيخنا محمد حجبو

من المعروف ان لكل  قائد سمات شخصية تؤثر تأثيرًا مباشرًا في أسلوب قيادته، وقدرته على إدارة الدولة والمجتمع، حيث تشكل خصائصه الفردية أدوات فاعلة في صنع القرار وتنفيذ الإصلاحات. فالصبر، والانفتاح على الآراء، والقدرة على التحليل، والمرونة في التعامل مع التحديات، كلها سمات تمكن القائد من تحويل رؤاه إلى سياسات عملية، وتجاوز المعيقات الاجتماعية والسياسية، وضمان مشاركة فعالة من جميع الأطراف في المشروع الوطني.
في هذا الإطار، يقدم صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني نموذجًا واضحا لأثر السمات الشخصية على القيادة السياسية. فقد تميز بالصمت المدروس، الذي يعكس قدرته على التحليل العميق قبل اتخاذ القرار، والانفتاح على مختلف الآراء، الذي يظهر حرصه على التدبير الرشيد ومشاركة الفاعلين في الدولة والمجتمع.
 هذه السمات لم تظل محصورة في مجال الشخصية، بل تحولت إلى أدوات فعالة لتوجيه الدولة نحو إصلاح جذري، وضمان تنفيذ برامج تنموية مؤثرة وفعالة.
وقد تجسد هذا الأثر بشكل واضح في مشروع “تعهداتي”، الذي أطلقه في بداية ولايته، مؤكدًا أن العهد ليس مجرد التزام لفظي، بل قاعدة لبناء الثقة بين القيادة والشعب. وقد صُمم المشروع لتعزيز المشاركة الفاعلة في العملية التنموية، مع التأكيد على استبعاد الحياد أو العزوف عن خدمة الوطن.
 ولكي ينجح في هذه التعبئة، انصب تفكيره على كيفية إفهام الناس ان جديدا في حياتهم صار لازم الحدوث ( التغيير الجذري )، وأن عليهم أن يفهموا جدية ذاك، ويهيئوا أنفسهم لتحمل إكراهاته .
ولأنه منشغل بذلك التغيير، كمشوع إصلاح جذري،  ينسف الموانع الجوهرية للإصلاح تاريخيا ( الفساد والرشوة ومفاسد القيم .. ) جعل ذلك معركتة  الحقيقة، لأن الفساد والرشوة قد ترسخا، وتجذرا في المجتمع، وصارا ثقافة متأصلة فيه، وبات الإصلاح الجذري، يفرض من ضمن، ما يفرض، أن يدرك المجتمع أن التمسك "بقيم المفاسد" وغيرها من المفاسد المتجذرة في البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع، لم تعد من الأمور القابلة للاستمرار، وأن على من يرشح نفسه ليكون جزء من الإصلاح أن يراجع نفسه، ويتهيأ للإقلاع عن المألوف من مسلكيات المفاسد تلك، ويشارك بشكل  إيجابي في صنع مستقبل البلاد، ويفهم أن الاستمرار في مسلكيات، لا تتناغم ولا تتماهى مع التوجه الحاصل، سيجعله على هامش الفعل التاريخي المُباشَرِ من طرف القائمين على إنجازه، ولن يكون بإمكانه، إذا استدرك خطأه في تأخر المواكبة أن يتلافى ذلك التأخر على الإطلاق، ولذا عليه ان يحسم أمره من البداية ..؟
هل هو مع الإصلاح؟
وهل هو مستعد أن يكون أداة من أدواته ؟
أم يفضل تطبيق القاعدة: ( اذهب انت وربك فقاتلا  إنا ها هنا قاعدون )، فليقعد ما وسعه القعود، ولكن عليه أن يفهم أنه بقعوده يحرر استقالته من الدور التاريخي، ومن المشاركة في بناء الدولة والمجتمع .
تلك هي الصورة الحاصلة عند صاحب الفخامة، عندما كتب " تعهده"  للشعب .
وما التعهد، عدى كونه برنامج إصلاح تأسيسي، يضمن طواعية انقياد الشعب، حين يدعوه قائده، إلى أمر أبلغ اثرا واكثر مردودية على رفاهه، وأنجع لبناء وتحديث وعصرنة دولته. 
وليتدافع كذلك، الجميع الى هذا التوجه، والإقلاع نحو أفق تنموي أكثر رحابة وأضمن رفاها، تكفل " الطموح " بتحقيقه .
إن "التعهد"، كقاعدة لبناء الثقة بين القائد والشعب،  نحج حقا، في بناء قاعدة صلبة لميلاد "طموح " هو في حد ذاته "ثورة صامتة" لقلب الأوضاع رأسا على عقب.
والمتتبع لخطابات وتصريحات ومقابلات السيد الرئيس منذ خطابه  كمترشح لرئاسيات 2019، لن يفوته إدراك الملامح العامة للمرحلة التي تمر بها الدولة الآن، والتي تتسم بالمكاشفة الصريحة من طرف السيد الرئيس للشعب وللعاملين في خدمته،
والتي يتصدر  الانشغال بمحاربة  الفساد العنوان الأبرز لها.
واتسمت بإطلاق اليد
 للمؤسسات المعنية بالرقابة والتفتيش لقلب الأوراق على أصحابها في كل القطاعات الخدمية للشعب وأمرها بالنبش في أوراق وسجلات كل مرفق عمومي قد يٌضيع الشعب بنهب وسلب خيراته، متعهدا "بشن حرب لا هوادة فيها على الفساد والرشوة بكافة أشكالها"
وجسد ذلك "بإنشاء  
منظومة متكاملة لمكافحة الفساد والرشوة على مستوى القطاعين العام والخاص، استنادا  إلى الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة.." 
مستحدثا وكالة وطنية مستقلة لمكافحة الرشوة، ومنصة لمتابعة الصفقات العمومية، وغير ذلك من الإجراءات التنظيمية والإدارية والمؤسسية التي تعمل على محاصرة الفساد والمفسدين وحماية المال العام من النهب والسرقة،  معتبرا أكل المال العام من المحرمات الكبري في فلسفة" الطموح " والفساد والرشوة فواحش كبرى، لا يكفي في عقاب صاحبها الحبس ومصادرة المسروقات والمنهوبات فقط، بل الفصل والحرمان من مزاولة أية مهنة في الدولة، لأن "الطموح" بحمولته، يتعارض كليا مع مفاسد القيم  وعلى رأسها "الفساد" و" الرشوة " وكل ما يقترن بهما أو يلازمهما، وهو ما على الجميع إدراكه وفهمه " فلا تنمية مع الفساد .." وعلى الجميع أن يستوعب جدية الطموح والإصرار المقترن به للسير به إلى مداه وغايته.
ومن لم يفهم هذا، لم يفهم في البداية مغزى"التعهد" ولا الغاية منه، أو فهم تلك الغاية فهما تبسيطيا مُلخصا في تحقيق "مُنجز" ما للشعب، ولعل أصحاب هذا الفهم التبسيطي قد فاتتهم مختلف الإشارات  التي ترد من حين لآخر، في كل خطابات صاحب الفخامة منذ أول خطاب له عند ترشحه 2019، والتي كشفت عن ملامح تفكير وعمل يتقدم نحو فعل خلاق لصالح الشعب، وما الفعل الخلاق الذي يريده صاحب الفخامة غير التغيير الجذري الموصل إلى رفاه شعبه.
 ومن البديهي أنه مدرك تمام الإدراك أن ذلك يفترض، من ضمن ما يفترض، تطهير النفوس من الشوائب ( تغيير العقليات )، و إنهاء السيبة في تبديد المال العام (  الفساد والرشوة وكل مفاسد القيم )، وهو مدرك أكثر لعبثية "طموح" لا يستند إلى إرادة صلبة وتصميم استثنائي، لأن المعركة، لا يمكن أن ينجح فيها "الطموح" ما لم يلبس لبوس الثورة، والثورة على مفساد القيم تحتاج "حربا لا هوادة فيها"
ضد الفساد والمفسدين. 
إن إعطاء إشارة الضوء الأخضر للمؤسسات المعنية بالرقابة والتفتيش للقيام بعملها بكل مهنية وجرأة، وإعطاء الأوامر بنشر حصيلة عملها، يقدم دليلا دامغا على أن "الطموح" في حقيقته "ثورة  صامتة"  تتقدم رويدا رويدا، نحو تغيير جذري يمس النفوس المريضة في الصميم، قبل أن يطال أفعالها، وهو رؤية وفكر وسلوك عند الرجل أصل له في " تعهده" عندما قال إن " للعهد معنى عنده " ومن وقتها، ما فتئ يكشف، كلما اتيحت له مناسبة أو فرصة، عن هذا التوجه ويتخذ خطوات في اتجاهه، عبر منهج تدرجي يتحسس سيكولوجية المجتمع، ويكشف له كل مرة، أن الحرب على الفساد والمفسدين، قرار لا رجعة عنه، وأن لا مفر من تلك الحرب، وأن الشروع فيها قد بدأ، لأن استمرار الفساد والمفسدين منذر بضياع الدولة والمجتمع، وعليه يجب أن نسرع قدر المستطاع في تقليم أظافر الفساد والمفسدين للقضاء على الفساد لاحقا وتجفيف منابعه والقضاء على عوامل تكونه من خلال المدرسة العمومية التي تم إنشائها لخلق وبناء جيل جديد على قيم الجمهورية العادلة وقيم المواطنة الحقة، من خلال مناهج عُدت لهذا الغرض، لبناء وتكوين ذلك الجيل الذي لا تمتد أعينه إلى المال العام، أحرى ان تمتد أياديه.
إن السيد الرئيس بإطلاقه يد مؤسسات الرقابة والتفتيش، للقيام بعملها بكل مهنية وشفافية، يدخل بالدولة والمجتمع مرحلة متقدمة نحو التحديث، والعصرنة، لأنه ببساطة يدرك أن النجاح في الحرب على الفساد، هو النجاح في بناء الدولة الحديثة العصرية، والتي لا يحول دون بنائها غير الفساد والمفسدين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يكشف بشكل لا لبس فيه أن"طموحه للوطن" يدخل مرحلة المواجهة المكشوفة مع الممانعين "لثورته الصامتة" تلك، لإحداث تغيير جذري يمس ويهز في الصميم البنية السياسية والإجتماعية والثقافية والاقتصادية المجتمع والدولة، ويبين من ناحية أكثر وضوحا، أن هذه الحرب المكشوفة المشرع فيها ضد الفساد، لم تعد قابلة للتراجع، وأنها ماضية، وستطال كل مرافق الدولة، وكل رجالاتها، ولن يسلم منها "كبير" ولا "صغير"
ولضمان نجاح هذه الحرب التاريخية ضد الفساد والمفسدين، اختار حكومة من تشكيلة متوازنة، جمعت بين خبرة " الشيوخ واندافعات الشباب"  ،  وأغلبها من الشباب، ووضع على رأسها شابا خبر الدولة والمجتمع، كشفت سيرته نجاح كبير في إدارة مؤسسات ومرافق كبري في الدولة، شهد له الجميع بحسن عمله فيها، ونهوضها من كبوات كبرى وركود كاد ينسفها نسفا، وتركها مؤسسات رائدة في الإنتاج ( إدارة الضرائب ) وفي الإنتاج والإستثمار (سنيم).
اختاره ليدير وينسق عمل تلك الحكومة، وهو شاب، و لأن الشباب بحكم حيويته يتطلع إلى المستقبل ويفهم أكثر من غيره حركة التاريخ، وليس عنده ما يخاف عليه، يظل الفئة الأنسب لاعتماده كأداة التغيير الجذري، وخاصة عندما يكون المشروع النهضوي،  بحجم طموح قائد يمتلك الرؤية والصلابة والتصميم، والحكمة،  خبر القيادة بأشكالها وأكثرها صعوبة، وامتلك سجلا غنيا ومشرفا، حاز احترام الجميع بما فيهم شركاء الدولة الموريتانية.
إن اختيار حكومة من هذا الطراز، ( الشيوخ والشباب )،  من طرف صاحب الفخامة، هو إدراك لخصال أساسية في تلك التشكيلة لتحقيق تحول جذري في حياة الناس والمجتمع، وبناء الدول القوية المنشودة، وهو مدرك كذلك أن منح الحكومة الصلاحيات التي تخولها القيام بالمهمة على الوجه الأكمل، وإلزامها بفعل كل ما يستجيب لنجاح "الطموح" إنما يخلق المحفز الأهم للتسابق نحو الإصلاح المنشود كما تضمنه برنامجه "طموحي للوطن" 
ولأن الحكومة بتلك المواصفات، دخلت في ديناميكية خلاقة ومبدعة، لطي مسافات
ومساحات، ورشات الانجاز التنموي، تسابق لا تخطئه العين، يراه المواطن البسيط ويحس دفئه وينعم بريعه في صحته وتعليمه وامنه... كيف لا، وهو يرى أعضاء الحكومة في الطرقات 
وفي الأحياء.. يباشرون ويشرفون على ورشات التنمية، يتقدمهم صاحب المعالي الوزير الأول بنفسه وفي أيام شديدة الحر ولفحات الشمس الحارقة، أبعد هذا شك في أن الرئيس قد اختار من ليس جديرا بالمسؤولية، وقادرا على تنفيذ برنامجه للشعب، وهل يصح مع هذا أن نشكك في المُشرعِ فيه من محاربة للفساد، ونعتبر ذلك مجرد "جعجعة بلا طحين" أو سحابة صيف، لا تترك أثرا، إن لم تفسد الكلأ  !!؟ .
إن من يشكك في جدية محاربة الفساد، عليه أن يأخذ مقياس لقياس الضغط ويتجول في كل المرافق العمومية اليوم، ويقيس نبضات قلوب المسيرين لها، فإن لم يلاحظ تسارع نبضات قلوبهم، فإن مفعول"  الخطوة الأولى" لمحابة الفساد لم يأت بنتيجة رادعة. ولكني متيقن أن من يقيس نبضات قلوبهم سيلاحظ تسارعا قويا لها، ولكنه إن سأل المقيوسين عن سبب تسارع نبضات قلوبهم فلن جد إجابة تساعد في تقديم وصفات  لهم، لأن إجابتهم ستقتصر على ( مَانِ واكلْ شِ مًالحْ بعدْ، ولاَ واكل شِ امْدسَمْ امل  !!!  ؟؟؟ )
وهذا يعني أن سبب إرتفاع نبضات قلوبهم مرده الخوف من المجهول القادم ( التفتيش ) لأن القادم صار برنامجا لا رجعة فيه،  و"صار حربا لا هوادة فيها".
وهذا يقينا، عند صاحب الفخامة، أصبح أمرا بديهيا، لأنه قرار بإحداث تغيير جذري في المجتمع والدولة، وقد أخذ طابع الثورة الصامتة، صمت صاحبها..