قطار بلا مكابح / محمد محفوظ المختار

أي رحلة يقطعها الإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى وسيلة تمكنه من الوصول إلى وجهته، خاصة إذا كان الرحلة رحلة مجتمع يريد أن يخوض غمارها بشكل جماعي، على شكل هجرة من محطة إلى أخرى. فالمجتمع عندنا يتطلع إلى أن يسلك مسار الأمان، ويركب قطار النجاة، عسى أن يوصله إلى بر الإصلاح الشامل والاستقرار الكامل.
رحلة كهذه لا يمكن للمجتمع أن يسلكها إلا بوجود إرادة قوية لدى قيادة حازمة، وقد وجد المجتمع هذه الإرادة لدى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، حين عبر عنها بخطاب صريح جازم حازم، لا يقبل اللبس ولا التأويل. 
 فخامة رئيس الجمهورية أكد أن رحلة المجتمع والدولة إلى الإصلاح قد بدأت عبر قطار لا مكان فيه لفاسد ولا مفسد.  بدأت هذه الرحلة إذن بعد أصدرت محكمة الحسابات تقريرها الذي أسفر عن إقالات وإحالات إلى القضاء. ولا شك أن تلك الخطوات ستشفع بأخرى تعززها وتعضدها.. بما يؤكد أن الحرب على الفساد لا مكان فيها للانتقائية ولا مجال فيها لتصفية الحسابات.
قطار الإصلاح قد انطلق، لكن هل سيستمر؟
الأكيد أن قرار الحرب على الفساد قد صدر، وهو قرار اتخذه فخامة رئيس الجمهورية لا ليؤجله أو يجمده، بل ليفعله ويجسد ما يفرزه من نتائج على مختلف الصعد.
  الحرب على الفساد والمفسدين ستستمر، وستعصف بالفاسدين المفسدين أينما كانوا.. وذلك في ظل قرارات متوقعة توشك أن تحدث أثرا وتنبئ بخبر.. خبر مفاده أن فخامة الرئيس قد أزمع أن يواصل قطار الاصلاح حركته الدؤوبة بما سيرافق ذلك من طول في النفس، وتعدد الوسائل، وتغيير في الأدوات.. 
مع ذلك يحسن التنبيه إلى أن حركة هذا القطار لن تكون ذات جدوائية ما لم تجد أدوات مساعدة من إعلام قوي وفاعل، وظهيرا اجتماعيا وسياسيا جادا. وتلك الوسائل - مع الإرادة - هي ما سيسهم في تتبع المفسدين داخل دهاليز الإدارة، وإخراجهم من جحورهم المظلمة، ومساءلتهم عن ما نهبوا، أو ما تغاضوا عن نهبه من ثروة هذا الشعب.. وذلك كجولة أخرى من هذه الحرب التي يتوقع أن تكون طويلة المدة، وبعيدة المدى، ومتعددة الجبهات. 
من غير العقلاني أن نعول على كسر قوة الفساد أو إرادة المفسدين من أول جولة من جولات الحرب على الفساد. لكن من الضعف والوهن أن لا نجعل سقف التوقعات من نتائج الحرب على الفساد عاليا جدا، خاصة في ظل الإرادة العليا لقيادة البلد، تلك الإرادة التي توجه سهامها  شطر أي فاسد لم يتسلح بما يجب من القيم الإنسانية، والمعايير الإدارية، والأخلاقية المهنية، باعتبارها إطارا لتوجيه الموظف أثناء أداء المهام المنوطة به.. بل حرفته أهواؤه عن ذلك المسار اتجاه الإعلاء من المصالح الشخصية، سواء تمحورت في ذات الشخص الفاسد المفسد، أو تجاوزته إلى محيطه الضيق.
قطار الحرب على الفساد هو قطار بلا مكابح، وسيوصل المجتمع إلى بر الإصلاح في ظل الاستقرار.. هكذا هي الإرادة العليا، إرادة أصرت أن يكون مسار القطار مستقيما، يؤدي إلى نصر مبين، ومن خلال نتائج ذلك النصر ستتم إعادة تأسيس الإدارة على أسس قويمة، يحتل فيها الشخص الأجدر المكان الأنسب. 
من المهم القول إن الانكسار في هذه المعركة غير محتمل وغير وارد، لكنه إن حدث - لا قدر الله- فإن تغول الفساد والمفسدين سيزداد ويتشعب، وخيبة أمل المواطنين بكل أطيافهم ستتعمق وتتجذر، خيبة الأمل هذه - إن حصلت - قد تتحول إلى صدمة تجعل مجرد التفكير في واقع أوغد أفضل ضربا من الحماقة.