أحمد شريف شيخنا| عن سبل مكافحة الفساد

أثير في الآونة الأخيرة موضوع دور المواطنين ومنظمات المجتمع المدني في التبليغ عن حالات الفساد في مرافق الدولة ومؤسساتها العمومية، تزامنا مع إصدار مشروع مرسوم حكومي يتضمن صلاحيات وتشكيلة وهيكلة اللجنة الوطنية لقيادة استراجية مكافحة الفساد وهو ما أتبع بتنصيب اللجنة بعد تأدية أعضائها اليمين القانونية الأسبوع الماضي. ولا يسعني هنا إلا أن أدلي في هذا الموضوع بدلو الفقير الي ربه الغيور على وطنه.
كنت نشرت سابقا في المجلة الموريتانية للقانون والاقتصاد الُمُحكَّمة وفي بعض الصحف الإلكترونية المحلية مقالتين تحت عنوان: "الحكامة الرشيدة: المتطلبات والسبل"، و"الفساد داخل المؤسسات: الأسباب، العوامل المساعدة وسبل المكافحة"، أورد في ما يلي مقتطفات منهما مع بعض الإضافات التكميلية.
يتم القيام بالدور الرقابي المطلوب من المواطنين إما بصفة مباشرة أو عن طريق ممثليهم في البرلمان. من أجل ذلك، يتم مدُّ الجمعية الوطنية بالتقارير العامة السنوية التي تعدها محكمة الحسابات بشأن المداخيل والمصروفات العمومية. 
أما الرقابة والمتابعة المباشرة من طرف المواطنين فتتطلب وضع آليات مناسبة لتسهيلها، نذكر منها إنشاء خطوط مباشرة مجانية واستحداث خدمة لتقديم البلاغات داخل المؤسسات الحساسة وسلطات الرقابة والتنظيم لمركزة واستقبال المسارَّات بالشكاوى والإفشاء بعمليات الفساد بسرية تامة. كما يمكن أن تتم عملية التبليغ بالاختلالات الناجمة عن تسيير مَعيب أو غير مستقيم، عبر ثلاث مراحل تصاعدية عند الاقتضاء، وذلك كالتالي:
•    داخل المؤسسة المُبلَّغ عنها، عن طريق المشرف التراتبي لصاحب العملية على ان يكون في مستوي يضمن تجرُّده من أي علاقة مباشرة بحالة الفساد المُبلَّغ عنها ضمانا لاستقلالية حكمه وعدم انحيازه، أو بواسطة شخص مَرجعيّ يُعيَّن خصِّيصا لهذا الغرض؛ 
•    أو لدى السلطة المعنية قضائيا أو إداريا. من ذلك مثلا، مسؤولية مُفوَّض الحسابات عن إعلام أجهزة تسيير وإدارة الشركات وكذا النيابة العامة للدولة بكل الأفعال ذات الطابع الجزائي التي قد يطلع عليها أثناء مزاولة مهامه؛
•    وأخيرا، وفي حال عدم نجاعة المرحلتين السابقتين في أجل معين يتم تحديده إجرائيا، يمكن للمبِلِّغ، مالم يكن مقيدا بالسِّر المهني، نشر القضية للعموم في وسائل الإعلام أو عن طريق منظمات المجتمع المدني.
إني لأعجب لإمر إحدى سلطاتنا التنظيمية التي يعهد لها برقابة أنشطة قطاعات حساسة إذ تلزم المبِلِّغ والشاكي بدفع رسوم مقابل قبول بلاغه وأخري تشترط لاستلام الرسائل الموجهة لأعلي سلطة هرمية فيها ان يفصح أصحابها علنا عن هوياتهم وعناوينهم. حالتان أذكرهما على ندرتهما، لأهمية المؤسستين في النسيج الاقتصادي وذلك دون أي حكم مسبق حول نوايا القيمين عليهما. لكن ماذا لو تعلق الامر بمهمة تبليغ عن حالة فساد قد تهلك الحرث والنسل إذا لم يتم تداركها على الوجه السريع؟ 
في البلدان الرائدة في مجال مكافحة مسلكيات الفساد، يتم التستر على المبِلِّغ وحمايته قانونيا وحتى مكافأته عن طريق نسبة من المُحصَّل من متابعة العملية المُبلَّغ عنها.
وما لم يتم إرساء القواعد المؤسسية لحكامة رشيدة والتقيد بمبادئ الشفافية والمحاسبة والمساءلة فسيظل الفساد مستشريا عندنا. وفي هذا السبيل، يندرج تحرير المواثيق ومدوّنات الأخلاق والأدبيات الخاصة بالمؤسسات - على أن يتم إمضاءها من طرف المكتتبين ترسيخا لانخراطهم الصريح - حيث تُبيِّن المسلكيات المَعيبة التي قد تكتسي طابع الاحتيال أو تؤدي إليه: تعارض في المصالح، رشوة، حالات سوء استعمال المال العام والخاص، تزوير أو استخدام مزور، إلخ. وهكذا وانطلاقا من طابعها الملزم نتيجة اعتمادها من طرف الموظفين، تمثل مدوّنات القواعد الأخلاقية هذه مبررا لتعقب الضالعين في الفساد ومعاقبتهم إذ لا أدبيات من دون عقوبة. لذا، يشكل استحداث نظام تجريم مناسب وتأصيل مبادئ محاربة الفساد في المنظومة القانونية الوطنية رادعين مهمين، على أن ينطبق العقاب على كل مخالف، دونما استثناء أو تمييز. كما يجب رد الاعتبار لأجهزة الرقابة ومدّها بالإمكانيات والوسائل الداعمة من أجل تقلُّدها مهمة مكافحة الفساد على الوجه المطلوب.