بدءا لا بد من القول بأن هذا المقال سيُغضب المعارضة ولن يرضي الأغلبية، أو بعبارة أخرى، سيغضب الأغلبية ولن يرضي المعارضة، أو بعبارة ثالثة أكثر دقة سيغضب كل الطيف السياسي بأغلبيته ومعارضته، ولن يرضي منهم أحدا.
لا معارضة تنافس
لا معارضة تنافس هذا هو الاستنتاج الذي يُمكن أن نخرج به بعد القراءة التحليلية لواقع المعارضة حاليا، ولما دفعت به من مرشحين منافسين في رئاسيات 2024.
هذا الاستنتاج السريع سيقودنا إلى طرح السؤال : متى تكون المعارضة منافسة في الانتخابات الرئاسية؟
في العام 2017 اشتغلتُ كثيرا على ملف رئاسيات 2019، ونشرتُ في تلك الفترة سلسلة من المقالات تحت عنوان : "حتى لا نضيع فرصة 2019"، وكان من أهم ما خَرجتْ به تلك السلسلة من المقالات أن المعارضة لن تشكل منافسا حقيقيا لمرشح النظام، إلا إذا أخذت بجملة من الإجراءات التحضيرية، لعل من أبرزها :
1 ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي للانتخابات الرئاسية، وأي تحضير لا يبدأ قبل عام من موعد تلك الانتخابات لا يمكن أن نُصَنَّفَه في خانة التحضير المبكر؛
2 ـ أن تشكل لجنة عليا لصياغة البرنامج الانتخابي التوافقي للمعارضة الموريتانية في الانتخابات الرئاسية، وقد يُكتفى بمبادئ عامة أو عناوين كبرى لهذا البرنامج الانتخابي؛
3 ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛
4 ـ بعد تحديد الصفات أو المواصفات المطلوبة في الترشح تبدأ اللجنة المشكلة من طرف المعارضة في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة؛
5 ـ لا بأس بوجود مرشحين ثانويين محسوبين على المعارضة، ويمكن لمن لم يقبل ملفه أن يترشح، ولكن بصفته مرشحا ثانويا يعتمد على قدراته وإمكانياته الشخصية لا على أحزاب المعارضة في تحصيل الأصوات.
في اعتقادي الشخصي أن المعارضة الموريتانية إذا لم تبدأ في التحضير للانتخابات الرئاسية قبل عام على الأقل من تنظيم تلك الانتخابات، وإذا لم تكتب برنامجا انتخابيا توافقيا، يتبناه مرشحها التوافقي الذي تلتف حوله، فإنها ستبقى معارضة خارج دائرة المنافسة في الانتخابات الرئاسية.
يمكنكم أن تلاحظوا أن الترشح في فسطاط المعارضة كان فوضويا، وأنه اليوم لا يوجد مرشح توافقي للمعارضة، بل ولا يوجد مرشح يمكن أن نصنفه على أنه هو المرشح الرئيسي للمعارضة في ظل تعدد المرشحين، ويمكنكم أن تلاحظوا كذلك أن التحضير لرئاسيات 2024 جاء متأخرا، وإلى الحد الذي جعل أكبر حزب معارض يفشل ـ وحتى كتابة هذه السطور ـ في تحديد موقفه النهائي من الترشح لرئاسيات 2024.
تأخرت المعارضة كثيرا في فتح ملف رئاسيات 2024، وكان حزب تواصل هو الأكثر تأخرا، وسبب ذلك واضح، وهو أن حزب تواصل غير معني بشكل مباشر بالانتخابات الرئاسية، فتركيزه ينحصر على الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية، وبما أن الحزب غير معني بالانتخابات الرئاسية، فقد تأخر كثيرا في فتح ملفها، ويعكس ذلك التأخر إحدى نقاط ضعف المعارضة الموريتانية، حيث يكون التركيز دائما على المصالح الحزبية الضيقة، أما المصالح الاستراتيجية للمعارضة في مجموعها، والتي يأتي على رأسها ملف الانتخابات الرئاسية، فإنها لا تحظى إلا باهتمام ثانوي، وهذا هو ما جعل تواصل يتأخر في حسم موقفه من الانتخابات الرئاسية، ولا يولي هذا الملف ما يستحق من اهتمام، وإن كان هناك من اهتمام جدي بهذا الملف، فهو يأتي فقط من شخصيات معارضة لها طموحها الشخصي بالوصول إلى الرئاسة.
أشير في الأخير إلى أن أحزاب المعارضة كانت تنخرط في الماضي في تكتلات كبرى لا تتفكك إلا في المواسم الانتخابية ( الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، منسقية المعارضة، المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ..إلخ) . أما اليوم فإنها تعاني من التفكك حتى من قبل الموسم الانتخابي.
أفضل ما يمكن أن تقوم به المعارضة في هذا الموسم الانتخابي هو استخلاص الدروس من انتخابات 2024، والبدء بعد ذلك في التحضير الجيد لرئاسيات 2029.
يتواصل إن شاء الله.
حفظ الله موريتانيا..