أرباب العمل.. لك الويل ... لا تتصدقي!/ علي ولد الشيخ الحضرامي

كان أول سؤال خطر في ذهني عندما ما شاهدت جزءا من المؤتمر الصحفي الفريد من نوعه لرئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، هو: هل هذه فترة انتخابات للاتحاد؟ حتى ولو كانت؛ هل يصوت المواطنون ومتابعو وسائل التواصل الاجتماعي في انتخابات التجار؟ وهل هم طرف في ذلك الصراع التاريخي بين "البطارين"؟

بطبيعة الحال كانت الإجابات بالنفي؛ فهذا الرجل الذي جشم المتابعين الصائمين ملاحقة قرابة الساعة من الأرقام الفلكية، لا يخوض انتخابات في هذا الأوان، ولا أحد يشكل له معارضة أو إزعاجا في المنظمة التي تضم أكبر عدد من المتهربين ضريبيا في  بلدنا العزيز.
فما الذي يحاول زين العابدين أن يقول من خلال الخرجة الإعلامية الاستثنائية؟ الواضح أنه لم يكن عملا إعلاميا بريئا يهدف إلى إبراز بعض جوانب العمل الذي قيم بها خلال السنوات الماضية، ودور القطاع الخاص فيه.

لو كان الأمر كذلك لكانت زاوية الحديث تتعلق بحجم الدعم الذي قدمته الدولة الموريتانية ممثلة في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وحكوماته، لتجار موريتانيا خلال السنوات الفارطة من مأمورتيه في الرئاسة.

لقد وضعت الدولة الموريتانية كل التسهيلات رهن إشارة "تجارنا المنفقين"، ومنحتهم فوق ما يريدون من الدعم في كل المجالات؛ استصلاح الأراضي، شق الطرق، توفير الكهرباء في المناطق الزراعية، مجانية المياه، امتيازات في الصفقات على المنافسة الأجنبية، إعفاءات ضريبية لكل ما يدخل في مجالات الزراعة، والتكنلوجيا، توفير حاجتهم من العملات الصعبة.

وبدل الحديث عن هذا حاول رئيس اتحاد أرباب العمل السيد زين العابدين ولد الشيخ أحمد أن يمن على الشعب الموريتاني قليلا مما تستخلصه مصالح التحصيل في الإدارة الوطنية من براثن هؤلاء. 
هل تدرون لماذا امتلك ولد الشيخ الشجاعة ليمن علينا فتات حقوقنا الذي يقدمه التجار بعد أن يشبعوا ويشبعوا حاشيتهم المتخمة؟

لأن صحافتنا لم تسأله يوما عن حجم المنح التي قدم، هو وزملاؤه، الذين أثروا على حسابنا، لطلاب موريتانيين يدرسون تخصصات مهمة؟ ولأن المجتمع لم يسألهم عن المستشفيات الخيرية، والمنشآت التعليمية التي أسسوا، ولأن الدولة لم تسألهم عن حقيقة تصريحهم برقم الأعمال، ولم تسائل بنوكهم عن حجم أرباحهم الحقيقية؟ ولأن مفتشية الشغل لم تزر شركاتهم وتسائلهم بشأن العبودية التي يمارسون على شباب موريتانيا المتعلمين؟

ولأنه لا أحد سألهم من أين تأتون بهذه العمالة التي توظفون من الأقارب تحت جنح الظلام من غير مسابقات، ولا حقوق. سيادة الرئيس كم عاملا لديكم مسجلا لدى صندوق الضمان الاجتماعي؟ وكم يعمل أبناؤنا من ساعة يوميا في شركاتكم؟

إنهم يعملون قرابة ١٢ ساعة يوميا، وستة أيام من الأسبوع دون تعويض، ولا حقوق.. إنكم تمتصون دماء شبابهم، وترمونهم عالة على المجتمع بعد أن أنهكتهم الأمراض بسبب سوء بيئة العمل، وسوء ظروف العمل، وسوء إدارة القدرات!! ومع ذلك "فالقطاع الخاص أكبر المشغلين"!! أنه أكبر المستعبدين (بكسر الباء)!!.

لما ذا سيادة الرئيس تتحدث عن مداخيل الضرائب وأنت تعلم، وتدرك أن الجميع يعلمون، أنكم لا تدفعون من الضرائب المستحقة عليكم عشرها، ولا نصفه، ولا عشره!.
استمع إليَّ سيادة الرئيس؛ صحيح أنكم دفعتم، أو دخل الضرائب هذا المبلغ، ولكنه مبلغ هزيل حقا إذا ما قورن بحجم الثروات التي تتحرك في التجارة في بلد يعد معبرا بين عالمين، وفي بلد به ٢٠ بنكا، وعشرات، أو مئات المصانع، وآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة!.

بلد يسهم قطاعه الحكومي وحده سنويا بأكثر من ٣٠٠ مليار من الصفقات على حساب ميزانية الدولة، وتصرف أضعاف هذا المبلغ من المعونات وتمويلات المشاريع، والقروض، وكلها تذهب إلى جيوبكم، وتعطوننا في مقابلها ما تعرف من بنايات، ومنشآت، وما تعرف من طرق، وتوصيلات مياه وكهرباء، وما تعرفه جيدا من مكاتب وأجهزة، من مكيفات وبرادات، ومقاعد..

أنت حقا تعرف كل هذا وتخرج لتقول إنكم تدفعون الجمركة!! الجمارك! تلك المحطة التي لو كشف حجم التلاعب الذي تقومون به؛ في عينات البضائع، وفي جودتها، وفي أرقام الشراء الحقيقية، لجرتكم الجماهير في الشوارع، ولبصق الأطفال في وجوهكم!!. إنها مفرخة لفسادكم الذي أفسد كل شيء فيها.

لقد أفسدتم الإدارة بالرشوة، ودمرتم أخلاق المسؤولين بالإغراء المالي، وحطمتم إرادة الإصلاح بالاغتيال المعنوي لكل مسؤول نظيف اليد، ومع ذلك تمنون على الدولة، وعلى الرئيس.

أين الأراضي التي اقتطعتم، وبعتم وبنيتم عليها فاخرات المنازل؟ أين الرخص التي حصلتم عليها، وبعتموها ولم تستثمروا فيها قرشا واحدا؟ من أين جئتم بالأراضي التي شيدتم عليها المصانع، وبعتم بعضها؟

من الذي ينفخ الفواتير ليلا نهارا، وتتعثر المشاريع تحت يديه، وتتقشر الطرقات بعد أشهر من رفعه اليد عنها؟ وتتشقق البنايات قبل تسليمها؟
من أراد دليلا على حقيقة مبادراتكم التنموية فلينظر في مبادرة تشجيع الشباب على الزواج!!.

تعولون على أن الرئيس غزواني مصر على دعم استقرار السوق، وعدم تشويش مناخ الاستثمار برمي التجار في السجون، أو إخافة المستثمرين، ولكن رهانكم خاسر لأنه ليس من مصلحة غزواني ولا الدولة من ورائه أن تخيروها بين استقرار السوق، واستمرار تعطيلكم عجلة التنمية، واستنزاف خزينة الدولة، وابتلاع التمويلات الأجنبية، بالفوترة المنفوخة، والأشغال الرديئة!!.

الآن تفتقت العبقرية عن محاولة الاحتماء بالرأي العام! الاحتماء بنا معشر المستضعفين! حين قرر الرئيس عن وعي ودراسة إلزامكم بأداء ما اتفقتم عليه مع الدولة، وإنجاز المشاريع في وقتها، وبجودة معقولة…!!

أعتقد أن من نصحكم بذلك خدعكم، فنحن آخر من يمكنكم النظر في أعينهم، بعد أن تربحتم على مآسينا، وبالغتم في المضاربة بأرزاقنا.. هيهات، هيهات! العبوا غيرها.