إفريقيا وآسيا: حكاية صناعة العالم بين التغيير والتنافس

هل يُعدّ التعاون بين دول الجنوب مسارًا للتغيير في دول الجنوب العالمي، أم أنه مُحاصَر في منافسة استغلالية على الموارد والأسواق؟ وهل تُعزّز المشاركة الصينية في الجنوب العالمي من قدرة الدول الإفريقية على اتخاذ القرار؟ وهل تتعارض أو تُضعف معايير النظام الدولي الليبرالي الذي يهيمن عليه الغرب؟

هناك الآن اهتمام أكاديمي متزايد يستكشف إخفاقات ومخاوف النظام الدولي الليبرالي، خاصةً من منظور الجنوب العالمي. وتركز هذه الدراسات على التهديدات التي قد تُشكّلها القوى الناشئة المُشارِكة في التعاون بين دول الجنوب على النظام القائم.

ومع ذلك، ورغم القلق بشأن التعاون بين دول الجنوب كبديل للنظام الليبرالي، يبقى السؤال حول جوهر ونتائج هذا التعاون: هل يتعرّض النظام العالمي كما نعرفه للتحدي أم التعزيز مِن قِبَل القوى الناشئة؟ وتدعو هذه المقالة إلى ضرورة النظر إلى ما هو أبعد من الدولة كمحور رئيسي للتحليل، واستكشاف الآليات والعمليات والإستراتيجيات التي تتبنَّاها مجموعة متنوّعة من الفاعلين المشاركين في التعاون بين دول الجنوب.

وتستعرض المقالة دراسات حول الشؤون الإفريقية؛ حيث تُقدِّم تحليلًا شاملًا لهذه الديناميكيات على أرض الواقع من منظور الشركات والوكلاء والمشاريع التجارية الخاصة من الصين والهند والبرازيل، بالإضافة إلى كيفية تعاملهم مع شراكاتهم مع نظرائهم الأفارقة.

وقد شهد العقد الماضي تغييرات جذرية أثَّرت على النظام الدولي الليبرالي بطرق غير مسبوقة؛ بدايةً من جائحة كوفيد-19، إلى الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، والمخاوف من الركود المالي؛ ولذا أصبح النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة موضع تدقيق أكبر من أيّ وقت مضى. وعلى الرغم من أن الأمر قد يرتبط بشكل رئيسي بالقوى الناشئة (أو المُعَاد ظهورها) من الجنوب العالمي ونفوذها المتزايد، فإنه يعكس أيضًا مصدر قلق إضافي للنظام الدولي الليبرالي.

من وجهة نظر دول الجنوب العالمي؛ كان النظام العالمي في القرن التاسع عشر مشروعًا عنيفًا؛ حيث انخرطت القوى الإمبريالية الأوروبية في عمليات الغزو والاستغلال والاستعمار. وقد أسفرت هذه المغامرات الإمبريالية عن تقديم نسخة مركزية أوروبية من الحداثة والتحديث كطموح عالمي يُفترض أن ينطبق على الجميع.

إن الوحدة في النظام العالمي تتمثل في الدولة (الدولة القومية ذات السيادة) التي تشكَّلت بناءً على تجارب أوروبا الخاصة. وتخضع جميع الدول الأخرى لمعايير مركزية أوروبية، ويتم تقييمها وفقًا لمعايير نشأت في أوروبا، وانتشرت إلى جميع أنحاء العالم، دون مراعاة السياقات المحلية أو الظروف الثقافية. وقد أدَّى هذا الفرض المعرفي والوجودي المؤلم على السياسات العالمية، التي كانت منظمة بشكل مختلف عن الدولة القومية الغربية، إلى تصنيفها بشكل مزمن على أنها غير طبيعية. ولا تزال هذه المعايير القاسية تُشكّل تحديًا حاليًّا في إستراتيجيات ومخططات مؤسسات International Labour Organization (منظمة العمل الدولية) لمكافحة الفقر في الدول النامية. وغالبًا ما يؤدي أيّ انحراف عن معايير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى فرض عقوبات وإجراءات تأديبية، وهي أمور شائعة جدًّا في التعامل مع الاقتصادات “المتعثرة” و”المفلسة” في الجنوب العالمي.