المتتبع لتصريحات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز منذ بداية الأزمة التي وضع نفسه فيها بعد مغادرته للسلطة، سيلاحظ – دون كبير عناء ودون الحاجة لذكاء استثنائي – أنه يبني أحاديثه على أساطير غريبة لا تستقيم سياسياً، ومهزوزة الأساس أخلاقياً. ورغم سطحيتها ومباشرتها، فإن تفكيكها يبرز ضعفها بشكل أوضح، ويكشف وهنها من بوابتي السياسة والأخلاق.
أولاً: منطق الأخلاق
حاول ولد عبد العزيز، بعد مغادرة السلطة وإقحام نفسه في أزمات لا أول لها ولا آخر، أن يتقمص دور المدافع عن الأخلاق، في خطوة تعكس منطقاً شديد الانتهازية. بدأ يتحدث عن أمور تناقض تصريحاته السابقة، من أبرزها ادعاؤه بأنه هو من رشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وساهم في نجاحه، متناسياً ما صرح به خلال فترة حكمه.
لنختبر هذا الادعاء “الأخلاقي” في ضوء الحقائق التي لا تخفى على الرأي العام:
• ألم يكن ولد الغزواني قادراً – لو أراد – على إقصاء ولد عبد العزيز أثناء فترة مرضه بعد حادثة “رصاصة اطويلة”؟
• هل يتصور ولد عبد العزيز أن الشعب الموريتاني نسي شائعات الانقلاب التي ترددت حينها؟ وكيف استطاع الغزواني أن يحفظ غيبة عزيز ويحمي ظهره في لحظة استثنائية من الوفاء؟
• ألم يقل عزيز نفسه لبعض خلصائه أن بعض الساسة عرضوا على الغزواني الانقلاب عليه، ولكنه رفض ذلك بشكل قاطع؟
إذا كان ما يقوله ولد عبد العزيز صحيحاً، فإن ذلك يثبت كرم أخلاق غزواني غير المعهود في تاريخ البلاد. ومع ذلك، كان رد عزيز على هذا الوفاء والجود هو الجحود والكبر.
ثانياً: منطق السياسة
أما على صعيد السياسة، فإن الموقف محسوم منذ أمد بعيد. لا أحد يتصور إمكانية وجود “حكم برأسين”، حتى في أصغر الهيئات. وقد اعترف ولد عبد العزيز نفسه أمام المحكمة بأن الغزواني نبهه بلطف إلى أنه سيحكم بطريقة مختلفة، وضرب له مثلاً بالأنظمة الملكية، حيث يحكم الابن بطريقة تختلف عن والده دون أن يعني ذلك وجود خصومة.
ختاما؛ إن سلوك غزواني الأخلاقي والسياسي، مقارنة بسلوك ولد عبد العزيز، يثبت أن الأخير فقد رهان الأخلاق والسياسة معاً. لقد اعتقد أن البلد ملك له، وتعامل مع الجميع بازدراء، من رجال السياسة إلى الإداريين، وحتى الفئات الاجتماعية والشعراء وقادة النضال.
لقد سقط ولد عبد العزيز في السياسة كما سقط في الأخلاق، وخسر الرهانات كلها.