الوزير الأول المختار ولد اجاي من الشخصيات التي لا ينقطع الجدل بشأنها، فلكل مراقب أو مهتم منها موقف، سواء كان موقفا أصيلا نابعا عن تفكير شخصي، أو موقف تقليد نابعا من ترداد ما يقوله بعض الناس.
الجدل المفتعل بعضه
طبيعة الشخصيات التي تصرح بقناعاتها، ولا تسعى إلى مسك العصا من الوسط، أن يكثر مؤيدوها، ويكثر معارضوها، أو خصومها على الأصح.
فإذا أضيف إلى رصيد هذه الشخصية تولي بعض المسؤوليات التي هي على احتكاك ببعض المجموعات التي اعتادت أن تفعل ما تريد دون رقيب، فقد اكتمل الجدل حولها دون توقف.
وقد اجتمعت كل هذه الأمور على الوزير المختار ولد اجاي، تعاضدها آلة دعائية كثيرة الضخ، لا تتورع عن تقديم أي شيء على أنه حقيقة من الحقائق. وما زال ثأرها مع ولد اجاي على حاله. ومن يعرفون شيئا عن ملفات الضرائب خلال العقد الماضي يدركون معنى هذا الكلام.
مرة كتب الصحفي الهيبة ولد الشيخ سيداتي عن ولد اجاي إنه "ظالم في السياسة مظلوم في الاقتصاد". أظن أنه مظلوم فيهما معا. لأن أغلب الهجوم عليه في السياسة، مجرد مناوشات جانبية على هامش حروب الاقتصاد والضرائب، خاصة مع لوبيات البنوك والشركات الكبرى.
ومع أن في طبيعة شخصية ولد اجاي بعض الجوانب التي تثير الجدل، مثل دفاعه العلني عما يعتقد، دون مواربة، واستعداده للمواجهة في كثير من الظروف؛ إلا أن بعض الجدل حوله مفتعل بوضوح، فلن يمر أي تصرف من المختار، مهما تكن عفويته دون تعليقات تخرجه عن السياق؛ ربما هو الوحيد الذي يعلق على مشيته، وطريقة جلوسه.. ويكون رأس حربة المعلقين في العادة مدونون وصحفيون محسوبون على رجل أعمال معروف، أضيف إليهم أخيرا مقربون من وزير معروف، وهوامش حزب معروف أيضا.. يساعد هذا اللفيف المتناقض منافسون محليون معروفون أيضا، في سياق معروف!!
المساعد المثالي
طبيعة ولد اجاي، ووضوح تصوراته للأشياء، وصراحته في التعبير عن رأيه، وقدراته القيادية والإدارية، ودقته في احترام المسافة بينه وبين رؤسائه، تجعله محط ثقة لكل الذين رأسوه، وتجعله المساعد الذي يبحث عنه أي رئيس يريد الإنجاز.
يبحث أغلب القادة عمن تتكامل شخصياته مع شخصياتهم، ويمكن أن يساير رؤاهم دون أن يحوجهم إلى الخوض في كثير من التفاصيل، التي يحول الخوض فيها القائد إلى معلم في فصل من محدودي الذكاء.
ومن النادر في البشر أن يوجد من يستوعب القضايا النظرية، ويمكنه شرح الرؤى وتبليغها مع قدرات عملية في المتابعة والإنجاز. في العادة يكون أصحاب القدرات النظرية أقل عملية، وأميل إلى وضع التصورات دون القدرة على ترجمتها إلى إجراءات، ودون قدرة على متابعة تنفيذها من لدن غيرهم، متابعة لا تضايق المنفذ، ولا تعطيه مساحات كبيرة للتهرب. والذين يعرفون المختار ولد اجاي يتحدثون عن جمعه قدرات استثنائية في هذا السياق.
وقد جرب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مديري ديوان قبل ولد اجاي، ووزيرين أولين ولكنه اكتشف بعد قرابة أربعة أعوام أن المساعد الذي يمكن أن يعين في تنظيم هذه الملفات، وترتيبها في أولويات واضحة، ويساعد في متابعتها، واقتراح الحلول المناسبة لها من بين من هم في دائرة الثقة، هو المختار ولد اجاي.
كما كشف التشخيص الدقيق عن نقص في إمكانيات وصلاحيات مدير الديوان عن الوفاء بمتطلبات المتابعة، فعالج الرئيس الخلل بتعيينه وزيرا مكلفا بالديوان، حتى يتمكن من حضور اجتماع مجلس الوزراء، وينخرط بفاعلية في نقاش الملفات الحكومية.
المعضلة الكبرى
يواجه رجل الثقة المحنك ولد اجاي معضلة أكبر من قدرة أي كان على التحمل؛ فهناك أنصار ينسبون إليه ما لا يستطيع أن يفعل، ويجدون له أثرا في كل فعل، ظنا منهم أن ذلك من مقومات القوة والحضور.
وهم في هذا يلتقون مع كل خصوم الرجل؛ فالماكرون من خصوم ولد اجاي يحاولون إظهاره بصورة من يستحوذ على صلاحيات الرئيس، ويحاول الظهور في الصورة وحيدا، ليجعلوا دوائر القرار تنفر منه، وتبعده، أو تحجمه.
والمغفلون من الخصوم يظنون مثل هذه المزاعم حقائق، ويستنكرونها بصدق، وبمحاولة انتقام.
لا يدرك المغفلون من الطرفين حجم الصعوبات التي يواجهها أي مسؤول ذي طبيعة إشرافية، في استصدار أي قرار، أو انتزاع الاعتراف من المسؤولين عن الملفات. وهي صعوبات يكابدها يوميا، وربما تسهم الصورة التي يروجها خصومه، وبعض أنصاره، في تعميقها، وإعطائها زخما، حتى لدى بعض المسؤولين المباشرين الذين يدركون بُعدها عن الحقيقة، ويمكن أن يستخدمها بعضهم للتهرب من المتابعة..
كان هذا والمختار وزير مدير للديوان، ولم يفلح خصومه في إفقاده مثقالا من ثقة الرئيس، ويبدو أنه زادها، فاختاره الرئيس لقيادة الفريق الحكومة، واستمر خصومه في محاولة النيل منه.
ثقة الرئيس
من حسن حظ الوزير المختار ولد اجاي أن كل الضوضاء المثارة حوله تثار في آذان رجل مثل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لا يعاني أي نوع من عقد النقص؛ ويتابع أدق التفاصيل بنفسه، غير متوان، ويتعب مساعديه بدقة المتابعة، والانتباه للتفاصيل الدقيقة.
ومن حسن حظ الصورة الحقيقية للوزير مدير الديوان أنه ثالث شخص يأتي إلى هذا الموقع، وأن الرئيس مدرك للفروق بين مديري ديوانه الثلاثة، ويدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحجم الإنجاز الذي يطمح إليه، وحجم ما تحقق منه في الماضي، والحلول التي اقترحت والتي لم تقترح من طرف المديرين، والوزير المكلف.
إنه يدرك، ويرى ويتابع، ويقدر.. وقد يأتي اليوم الذي يتحدث فيه ببعض ما يرى وبعض ما يدرك.