كيف نحول الاستعراض إلى تنمية؟ / د. سيدي ولد السالم

تظل الزيارات الداخلية التي يقوم بها الرؤساء والوزراء للمدن والتجمعات ظاهرة سياسية وإدارية قائمة ومتجذرة، وليس بلدنا بالاستثناء، لكنها تطرح في صميمها سؤالا حول الجوهر والمظهر. فبدلاً من أن تتحول إلى مسرح مكلف لتجميل الواجهات وإخفاء الحقائق، يجب أن تُستغل كـفرصة حقيقية للمساءلة والتقييم والعمل الجاد.

إن الهدف الأساسي من هذه الجولات ليس فقط إطلاق المشاريع أو تفقد المنشآت، بل هو توفير آلية للرقابة الشعبية والإدارية على الأرض، وضمان أن تكون هذه الزيارات جسراً فعالاً للتنمية، لا مجرد استعراض احتفالي.

يجب على الأجهزة الحكومية أن تدرك أن حفظ المكانة وهيبة الدولة لا يتم عبر المظاهر الباذخة والمبالغة في حفلات الاستقبال، بل من خلال النتائج الملموسة على حياة المواطنين. إن الموازنة بين المتطلبات الشكلية للبروتوكول الرسمي وضرورة التعامل بـواقعية وشفافية مع المشكلات المحلية هي أساس نجاح أي جولة داخلية وذلك من خلال:

الاعتدال في التكاليف: يجب ترشيد النفقات الهائلة التي تُصرف على التجهيزات الأمنية واللوجستية والاستقبالات المبالغ فيها، وتوجيه هذه الموارد نحو تحسين الخدمات الأساسية، مهما كان مصدر هذه الاموال.

 تجنب "تجميل الواجهة": ينبغي وقف ظاهرة التجهيز السريع والمؤقت للمناطق قبيل وصول المسؤول، لضمان أن يرى الرئيس او المسؤول الواقع المعيشي الحقيقي للناس، وليس مجرد صورة مصطنعة.

ولكي تكون الزيارة الداخلية آلية لتقييم حقيقية، يجب أن يتركز الاهتمام الحكومي على القضايا التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر مثل:

 الصحة والتعليم والبنية التحتية: يجب أن تتصدر هذه الملفات جدول أعمال الزيارات، مع إجراء تقييمات ميدانية صارمة لمستوى الخدمات المقدمة.

 المحاسبة المباشرة: يجب ربط الزيارات بـآلية فورية للمساءلة، حيث يُحاسب المسؤولون المحليون المقصرون بناءً على ما يُكتشف من إهمال، وليس بناءً على جودة تنظيمهم لحفل الاستقبال.

إن غياب الشفافية هو ما يُفقد الزيارات مصداقيتها ويُغذي الاستياء الشعبي، من هنا يجب اعتماد مبادئ واضحة لضمان فعالية التواصل:

 الشفافية في المعلومات: يجب أن يُعلن للجمهور عن الأهداف والنتائج والقرارات التي تمخضت عنها الزيارة بوضوح ودون تضخيم.

 تشجيع اللقاءات العفوية: لضمان رؤية غير مُفلترة للواقع، ويجب إفساح المجال أمام المسؤول للقاءات غير مُرتّبة ومُعلَنة مسبقاً مع شرائح مختلفة من المواطنين والخبراء والمجتمع المدني المحلي.

في الختام، إن الزيارة الداخلية للرئيس أو الوزير يجب أن تتحول من حدث بروتوكولي مرهق إلى ورشة عمل ميدانية تهدف إلى تفعيل الحكم الرشيد ومحاربة البيروقراطية.

عندما يشعر المواطن أن زيارة المسؤول قد أسفرت عن حل لمشكلة، أو عن محاسبة لمقصر، حينها فقط تكون هذه الزيارات قد حققت غايتها، وتحولت من مجرد استعراض إلى قوة دافعة حقيقية للتنمية الوطنية.