المختار محمد يحيى | اتفاقية الهجرة وعي موريتاني واعتراف أوروبي بمسؤولياته

المختار محمد يحيى - كاتب صحفي

منذ بداية الألفية الجديدة ظهر بشكل جلي للرأي العام الدولي هول الخطر المحدق لظاهرة الهجرة غير النظامية من إفريقيا إلى أوروبا وربما لأن حجم ضحاياها المتزايد برز إلى الواجهة مع تطور وسرعة وسائل الإعلام حيث أظهرت قصصا مأساوية، وبات معروفا أن طريق الهجرة غير النظامية طريق محفوفة بالمخاطر، وتودي بحياة الآلاف سنويا إما غرقا في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض أو عطشا في الصحاري مترامية الأطراف أو بفعل الجريمة والاستغلال والاتجار بالبشر التي غالبا ما تكتنف ملابسات الهجرة غير النظامية.

وبالنسبة لموريتانيا البلد الذي يأخذ موقعه الجغرافي الاستراتيجي الهام مشكلا جسرا بين إفريقيا وأوروبا من جهة وقنطرة بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء من جهة أخرى كان أمام تحديات كبيرة، وهو الذي اعتبر بلدا للعبور يستغله المهاجرون غير النظاميين من دول غرب إفريقيا لركوب البحر إلى أوروبا، ولقد ساعد في انتشار هذه الظاهرة قبل نحو 20 عاما ضعف إجراءات الدخول وغياب ضبط الحدود، الأمر الذي جعل من الملح في الوقت الراهن أن يضطلع القائمون على الشأن الوطني بدورهم وذلك في صحوة جادة لإنقاذ الوضع وتطوير البنى التحتية اللازمة وتطوير أساليب التعامل مع هذه الظاهرة، وهو ما برز بجدية خلال السنوات الأخيرة.

فاتورة بلد العبور

لذلك وعت موريتانيا منذ سنوات خطورة الظاهرة وما ينجر عنها من انعدام أمن وانتهاك حقوق هذه الفئة الهشة التي تقع ضحية للمهربين وشبكات الاتجار بالبشر، ضف إلى أنها تشكل عبئا كبيرا على البلدان التي تشكل وجهة للمهاجرين كذلك بلدان العبور، الأمر الذي يتطلب التعاون والشراكة بين هذه الدول وتوحيد جهودها للتصدي لهذه الظاهرة بالإضافة لحماية المهاجرين من الدخول في مغامرة تتسبب بنسب مرتفة إلى الموت.

ربما يظن كثيرون أن الهجرة غير النظامية إنما تثقل كاهل دول الوجهة فقط، أي الدول التي يقصدها المهاجرون، في حين أن بلدان العبور هي الأخرى تدفع فاتورة كبيرة، وتتكلف إمكانيات كبيرة وهي تحاول السيطرة على السيل الجارف من المهاجرين الراكضين خلف الحلم الأوروبي ونحو حياة أفضل.

ولقد صادقت موريتانيا خلال سنوات على مختلف المواثيق والاتفاقيات الدولية في ما يتعلق بالهجرة شأنها شأن مختلف دول العالم، وقامت بجهود كبيرة لوقف نزيف المهاجرين مما كلفها الكثير، الأمر الذي أفضى إلى عقد المشاورات المشاورات الموريتانية منذ فترة مع دول المقصد ممثلين في إسبانيا والاتحاد الأوروبي من أجل أن يتحملا مسؤولياتهما والمساهمة في هذا الجهد المادي والأمني المكلف.

شائعات مغرضة 

وفي خضم حرب بلادنا على ظاهرة الهجرة غير النظامية وعواقبها الوخيمة تنطلق بين الفينة والأخرى إشاعات من قبل جهات مختلفة باختلاف الدوافع والأغراض، تقول آخرها إن موريتانيا تسعى لقبض ثمن لتوطين المهاجرين في بلادنا إلا أنها تنقسم إلى قسمين هما: قسم أول يتحدث بفعل جهل بالمصطلحات وخصوصا بما يسمى الهجرة، وما يسمى الهجرة غير النظامية، وما يسمى اللجوء،  فهنالك خلط بيّن بين ملفين مختلفين هما الهجرة واللجوء، حيث يشير البعض إلى مخيم امبرة للاجئين الماليين في باسكنو، باعتباره مخيما للمهاجرين غير النظاميين وهذا خلط كبير ينم عن جهل، وهو ما سهل انتشار شائعة إنشاء مراكز لإيواء اللاجئين.

كذلك فإنه حين يتم الحديث عن الهجرة - والتي تعني إجراءات السفر لأي كان من مكان إلى مكان بشكل قانوني وتخضع لاتفاقيات ثنائية وجماعية بالإضافة إلى مبدإ المعاملة بالمثل - فإنه يتصور للبعض أنه حديث عن الهجرة غير النظامية وهما مختلفان كليا، لاختلاف الأسلوب ومن احترامه لقوانين الهجرة من عدمه، ناهيك عن استياء جهات عديدة في الخارج من استطاعة بلادنا فرض وضع شروطها لتسيير ثنائي لظاهرة الهجرة غير النظامية، بالإضافة إلى شعور بعض الجهات بالحسد من تحقيق بلادنا كل هذا الاهتمام الدولي في ظرف وجيز خلال أربع سنوات في كنف مأمورية رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي تميزت بالحكمة والتعاطي الإيجابي الباعث على  الثقة، الأمر الذي جعل مختلف مسؤولينا محل ترحاب وتقدير كبيرين في مختلف المحافل.

كذلك فإن نوايا تلك الجهات في تشتيت الإنتباه عن النجاح الدبلوماسي الكبير الذي تحققه نجاعة السياسة الخارجية لبلادنا وفوز فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بالثقة من قبل مختلف الدول العظمى والتكتلات الإقتصادية الكبرى والتي تعززت بانتخابه من قبل قادة دول الاتحاد الإفريقي رئيسا دوريا للاتحاد، معززا حضور بلادنا في المشهد الدولي بوصفها فاعلا مؤثرا ونموذجا للديمقراطية والاستقرار في الغرب الإفريقي.

انتزاع الامتياز

فالمفاوضات الأولية التي أطلقت مؤخرا بين موريتانيا (ممثلة في وزارة الداخليةواللامركزية) والاتحاد الأوروبي هدفها هو التوافق على مسودة إعلان مشترك حول الهجرة بما يسهم في التصدي الثنائي لظاهرة الهجرة غير النظامية، طريقا إلى الاتفاق الإطار بين بلادنا والاتحاد الأوروبي، وليس مخصصا فقط لموضوع الهجرة غير النظامية بل أيضا لتيسير الهجرة النظامية بما فيها تسهيل إجراءات الهجرة للشباب بيننا والاتحاد الأوروبي لأغراض الدراسة والتكوين والعمل، لنقل الخبرات والمعارف، وفتح أفق منطقة شنغن الأوروبية أمام حاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات العمل، وهي امتيازات هامة لبلادنا تفاوض من أجلها، استحقتها بعد مسار طويل من جهود محاربة الهجرة غير النظامية ومنع الاتجار بالبشر، وأيضا لعمق علاقات الشراكة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والتي تتنوع بين مجالات الاقتصاد والتنمية والأمن.

إن المتابع لملف الهجرة لا شك يعرف أن المفاوضات الأولية بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة سلسلة من اللقاءات الموريتانية الأوروبية التي تم بعضها في بروكسل وبعضها في مدريد وغيرها، والتي أسست جميعها لإرادة مصممة على وضع النقاط على الحروف أمام الشريك الأوروبي لتسيير ملف الهجرة بالشكل الذي يضمن السيادة للطرفين والحقوق والواجبات، ويؤكد على سياسة الاحترام المتبادل، ضف إلى ذلك أنه ظرف يضع الاتحاد الأوروبي أمام مسؤولياته لدعم بلادنا للنهوض بسياسة تطوير وتجهيز ورقمنة جميع منافذ البلد، وضبط المعابر وتكوين المصادر البشرية اللازمة لحماية الحدود.

كذلك فإن حصول بلادنا على دعم أوروبي بقيمة ما يربو على 500 مليون يورو لم تأت ثمنا لتوطين المهاجرين كما يروج المرجفون بل جاء كحق مكتسب ومساهمة أوروبية بعد سنوات من الجهود الوطنية للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، وحسب ما تمليه شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي في جملة من البرامج الاقتصادية التنموية منها الاستثمار في المشروع الموريتاني لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما تتضمن مساهمة أوروبية في دعم التنمية والشباب من خلال التكوين وتعزيز الصمود.